الرأي

هل سيتوصل الدرك الملكي للمستبه فيه برمي ” مْحَمّد ” ببئر “العيوج”..؟

لَهِيبُ-اٰلْاِنْصِرَامِ/ الحلقة : 23

“عثمان العماري”

غَضِبَ الضَّابطُ “حَمِيدْ” من جوابِ “لْحْسِينِي” اٰلْجِرِّيءِ، فأمرَ مُسَاعِدَيْهِ أن يُطَوِّقَا مِعْصَمَيْهِ بالقيدِ الحديديِّ، ويَزُجِّا بِهِ داخلَ السّيارةِ الرّماديةِ، وخاطبهُ مُتَوَعِّدًا:
-“سترى أَيَّ جحيمٍ ينتظرك بسِجْنِ “عَيْنْ عْلِي مُومْنْ” أيُّهَا الكلبُ؟ ستقبعُ بغياهبهِ عُمْرَكَ كُلَّهُ”.
-“لن أقبعَ بهِ ولو ساعةً واحدةً يا سَعادةَ الضابطِ”.
-“سنرَى أيُّها الكلبُ”.
-“سنرَى أيُّها المُثَقَّفُ”.
{تَرَجَّتْ “لَالَّة حْلِيمَة” الضابِطَ حَمِيدْ}:
-“أَتَوَسَّلُ إليكَ يا سعادةَ الضابطِ أنْ تُطلقَ سراحَه، فإنَّهُ لَمْ يَقْتَرِفْ أيَّ جُرْمٍ، وَلَمْ يفعلْ إلَّا الخيرَ”.
-“صَهٍ يَا امْرأة. وإلَّا أخذتك مَكَانَهُ”.

{وفجأةً جاءَ “سَعِيدْ” ابنُ “لْحْسِينِي” يجرِي لاحقًا بأبيهِ؛ بعدمَا وصل شرقاوة قادما إليها مِنْ مدينةِ الجديدةِ ولمْ يجدهُ. وحينَ سألَ عنهُ أُمَّهُ “اٰلضَّاوْيَة”، أخبرتهُ أنَّ رجالَ الدركِ أرسلُوا فِي طلبه لِمنزلِ “سِّي لْمِيرْ اٰلشّْرْقَاوِي”.
وعندمَا لمحهُ الضابطُ “حَمِيدْ” صُدمَ، ثمَّ عانقهُ بشدةٍ}:
-“أهلا بالضابطِ سَعِيدْ. أَيُّ رِيحٍ هَبّتْ بِكَ فِي شرقاوةَ يَا صَدِيقِي”؟!
-“أهلًا بكَ في قريتنَا أيُّها الضَّابِطُ حَمِيدْ. لقدْ جئتُ إليهَا وإِلَيْكُمْ كَيْ أرَى أبِي”.
-“أبوكَ؟! أينَ هُوَ” ؟!
-“ذاك الذي يُوجَدُ بسيَّارةِ “دْجِيبْ”.
-“ماذا؟ أَذَاكَ الَّذِي بهَا أبُوك”؟!
-“أَجَلْ”.
{توجَّهَ الضابطُ حَمِيدْ مسرعًا نحو اٰلرَّمَادِيَّةِ، فَفَكَّ القيدَ بِنَفْسِهِ عَنِ والدِ صديقهِ، ثمَّ طلبَ منه اٰلصَّفْحَ، وعادَ نحوَ ابنهِ خَجِلًا}:
-“عذرا يا سَعِيدْ. لمْ أَعْلَمْهُ وَالِدَكَ. لقدْ أردتُ فقطْ أن أسالهُ عَمَّا إذَا كانَ عَثَرَ عَلی جثَّةِ الطفلِ الغريقِ بالبئر، لَكِنَّ جوابهُ كانَ مُسْتَفِزًا لِي”.
-“لا عليكَ أيُّها الضابطُ “حَمِيدْ”. لكنْ أنصحكَ بعدمِ اتِّهامِ أيٍّ منْ أهلِ شرقاوةَ في أمرِ حادثِ “مْحَمّْدْ” ابنِ “سِّي لْمِيرْ”. لقد سقطَ بالبئرِ وحدهُ”.
-“على ضمانتك أيّها الضابطُ سَعِيدْ” ؟!
-“على ضمانتي أيّها الضابطُ حمِيدْ”.

اقتنعَ الضابطُ “حمِيدْ” بكلامِ صديقهِ “سَعِيدْ” الَّلذَيْنِ تَلَقَّيَا تكوينهَمُا مَعًا بِثُكْنَةِ مِدِينَةِ “بْنْجْرِيرْ” مُدَّةَ عَامَيْنِ كَامِلَينِ. بَلْ جَمَعَتْهُمَا اٰلشُّرْفَةُ ذَاتُهَا. فوعدَهُ أنَّهُ سيرفعُ إلَى وكيلِ الملكِ بمحكمةِ “سّْطَاتْ” اٰلْاِبْتِدَائيَّةِ مَحْضرًا يبينُ فيهِ أن الفتى الشرقاويَّ الأشهبَ سقط في البئرِ زَالِقًا ولمْ يسقطه أحدٌ، وأنهمْ لم يعثرُوا على جُثمانهِ بقعرهَا، لذلكَ سينتظرونَ أنْ تَلْفِظَهُ إحدى الوديانِ المُتَّصِلَةِ ببَاطِنِ بئرِ “لعَيْوْجْ”، فيذهبوا بهِ إلى مركزِ التشريحِ، ثم يُسَلِمُّوهُ أُمَّهُ لتدفنهُ بِيدَيْهَا. لكنَّ
“دَادَا عْبُوشْ” أبتْ إلاَّ أنْ تُعيدَ الأمورَ إلى نقطةِ البدءِ، فسألتِ الضَّابِطَ “حَمِيدْ” عَاقِدَةً حَاجِبَيْهَا اٰلأَشْمَطَينِ:
-“وَ اٰبْنُ أُخْتِي يَا سَعَادَةَ اٰلضَّابِطِ” !؟
فسََأَلَهَا أيْضًا عَاقِدًا حَاجِبَيهِ اٰلْمَقُرُونَتَيْنِ مُتَعَجِّبًا:
“أَيَّ اٰبْنِ أُخْتٍ لَكِ أَيْضًا”؟
-“اٰبْنُ أُخْتِي حْلِيمَة”.
“-أَيَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ” ؟!
-“مْحَمّْدْ يَا سَعَادَةَ اٰلضَّابِطِ”.
-“مَابِهِ؟ لَقَدْ غَرقَ وَقُضِيَ أَمْرُهُ”؟!
-” كَلّا. لَمْ يَغْرَقْ”.
-“وَمَاذَا وَقَعَ لَهُ إِذًا” ؟
-“لَمْ يَقَعْ لَهُ شَيْءٌ. وَلَكِنْ قَدْ يَقَعُ لهُ”.
-“مَاذَا تَقْصِدِينِ بخَرْبَطَاتِكِ هَاتِهِ يَا هَذِهِ”؟!
-“لَمْ يَقعْ لَهُ شَيْءٌ لِأَنّهُ حَيٌّ يُرْزَقُ بِقَرْيَتَي اٰلْقَافِ وَ اٰلطَّاءِ مِثْلَمَا أَخْبَرَتْنِي اٰلشّْرِيفَة “لَالَّة خْنَاتَة”. وَقَدْ يَقَعُ لَهُ شَيْءٌ لِأنَّ خَاطِفَهُ قَدْ يَقْتُلُهُ فِي أَيَّ وَقْتٍ. فَهَلْ سَتَظَلُّونَ مُتَفَرِّجِينَ عَلَيهِ حَتَّی يَقْتُلَهُ فِعْلًا” ؟!
فَرَدَّ عَلَيْهَا حَانِقًا:
-“إِذَا عُدْتِ لِتَخْرِيفِكِ هَذَا مَرَّةً أُخْرَى، سَأَزُجُّ بِكِ فِي سِجْنِ “عَيْنْ عْلِي مُومْنْ” اٰلْمُظْلِمِ. وَحِينَهَا قُولِي لِلَالاَّكْ خْنَاتَة أَنْ تُخْرِجَكِ مِنْهُ”.
فَرَدَّتْ عَلَيْهِ رَاسِمَةً ضِحْكَةَ خَوْفٍ صَفْرَاءَ عَلَی وَجْهِهَا اٰلْأَصْفَرِ:
-“تَّا رَانِي غِيرْ كَنْتْمَالْغْ مْعَاكْ أَسِّي جّْضَاضَارّْنِي. تَّا مَالْكْ عَاڭْ‍دْ عْلَی غْوِيبِشْتْكْ مَتْعْرَفْ ضَحْكْ مَتْعْرَفْ مْلَاغَة ؟! هَا وَّايْلِي
هَا وَّايْلِي عْلِيكْ مَّقَبْحْكْ يَا سِّي جّْضَاضَارّْنِي”.
فَحَبَسَ ضِحْكَتَهُ بِعُسْرٍ بَعْدَ سَمَاعِهِ كَلِمَةَ:{جّْضَاضَارّْنِي}. ثُمَّ عَاوَدَ عِناقَ صَدِيقِهِ “سَعِيدْ” وَوَدَّعَهُ، بينمَا قَالَ لِلْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة” مُتَوَعِّدًا :
“-سَأَتَجَاوَزُ عَنْ خَطَئِكَ اٰلْجَسِيمِ هَذِهِ اٰلْمَرَّةَ أَيُّهَا لْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة”، لكِنْ إِذَا لَمْ تُبْلِغْنَا مَرَّةً أُخْرَى بِحَادِثَةٍ وَقَعَتْ فِي حِينِهَا، فَاعْلَمْ أَنَّ سِجْنَ “عَيْنْ عْلِي مُومْنْ” يُرَحِّبُ بِكَ”.
ثمَّ رَكِبَ السَّيارةَ الرماديَّةَ صُحْبَةَ مُسَاعِدَيْهِ، وَعَادُوا أدْراجهمْ صوب مركزهِمْ بمدينةِ “سّْطَاتْ”.

عانقَ “لْحْسِينِي” ابنهُ فَرِحًا مفتخرًا بهِ، وهنَّأَهُ على عودتهِ سالمًا من مدينةِ “اٰلْجَدِيدَةِ”، بينما شَكَرَتهُ “لَالَّة حْلِيمَة” جَزِيلًا، في حين دعاهُمْ “اٰلْحَاجْ عَبْدْ اٰلسّْلَامْ” جميعًا إلى منزل أختهِ كي يشربُوا عندها كأس شايٍ، وتذبحَ لهمْ دِيكًا بَلَدِيًّا، ثم تُعِدَّ بهِ قَصْعَةَ “رْفِيسَةٍ” شَهِيَّةٍ، إِلَّا لْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة” تركوهُ خارجًا مُرْتَعِدَ الأَطرافِ بَعْدَ كُلِّ مَا سَمِعَهُ مِنْ وَعِيدٍ وتَهْدِيدٍ. وَزَادَ غَمُّهُ حتَّى كَادَ يَعْوَجُّ حَنَكُهُ حِينَ ضَوَّعَ عَبَقُ اٰلدِّيكِ اٰلْبَلَدِيِّ و”اٰلْرّْفِيسَةِ” اٰلشَّهِيَّيْنِ أنْفَهُ. وَزَادَهُ غُبْنًا عَلَی غُبْنٍ “مْحْمُودْ” اٰلَّذِي أَطَلَّ مِنْ خَلْفِ بَابِ منزلهمْ اٰلْقَصْدِيرِيِّ الِّذِي كانَ يُراقبُ مِنْ شُقٍّ بِهِ رِجالَ الدَّرَكِ وهمْ يَستنطقون أمَّهُ وخالَهُ وخالَتهُ حتَّى كَادَ يتَبَوَّلُ في سروالهِ خوفًا منهمْ؛ فوجدَ لْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة” لا يزالُ مُتَسَمِّرًا قُدَّامَهُ طَامِعًا فِي نَصِيبِهِ منَ اٰلرّْفِيسَةِ، فقالَ لَهُ سَاخِرًا مُتَشَفِّيًا:
-“ضُورْ وْضَرْضْرْ يَا عْبِيقَة مْعَ اٰلزّْنَيْقَة وْلَّا غَتْمْشِي لْبْنَيْقَة. وْ رَاكْ مَغَتْحَنْجْرْ عَنْدْنَا لَا رْفِيسَة لَا مْرَيْقَة”.
ثم أغلقَ البابَ في وجههِ وَعَادَ نحوَ ضيوفهمْ وهُو يَصِيحُ:

-“وَاااا عْبِيقَةْ أْبّْعَاااااااااااااوْ” !.

لكن “لَالَّة حْلِيمَة” لمْ يطاوعهَا قلبُها على تركهِ بلا أكلٍ، فَأْرْسَلتْ لَهُ مَعَ صَغِيرَتِها “كْنْزَة” صَحْنًا قَصْدِيرِيًّا بهِ لُقْمَاتٌ مِنَ “اٰلرْفِيسَةِ” تَعْلُوهَا “شَنْتِيفَةٌ” من لَحْمِ الدِّيكِ البلدِيِّ، لَكِنَّ أخَاهَا “مْحْمُودْ” تَبِعَهَا خِلْسَةً، ثُمَّ خَطَفَ اٰلصَّحْنَ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهَا، وَصَعِدَ بِهِ فَوْقَ سَقْفِ حَظِيرَتِهِم اٰلْقَصْدِِيرِيِّ وَأَطَلَّ مِنْهُ عَلَی لْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة”، ثُمَّ شَرَعَ يَنْتِشُ “شَنْتِيفَةَ” اٰلدِّيكِ بِنَهَمٍ. وَحِينَ رَفَعْ لْمْقَدّْمْ “عبِيقَةَ” نَظَرهُ نَحْوَهُ وَرآهُ يَنْتِشُ مَا ينْتِشُ، سَالَ لُعَابُهُ، فَطَلَبُ مِنْهُ أَنْ يُذيقَهُ مِنْهُ، فَمَا كَانَ جَوَابَ “مْحْمُودْ” إِلَّا أَنْ صَاحَ فِي وَجْهِهِ:

-“وَاااا عْبِيقَةْ أْبّْعَاااااااااااااوْ”.

ثُمَّ قَفَزَ بِاٰلصَّحْنِ أََرْضًا، حَتَّى كَادَ “يُخَوْرِجُ” وَ “يُهَاوِشُ” لْمْقَدّْمْ “عْبِيقَة”.

-ملاحظة:
كَلِمَتا “يَنْتِشُ” وَ “قُدَّامَهُ” عربيتان فصيحتان.
يتبع

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى