الرأي

حي “الاحباس”.. عبق التاريخ

بقلم : عماد فواز
حي الاحباس بمدينة الدار البيضاء، من الأحياء القديمة في المدينة، يعود تاريخ بناؤه الى عام 1917م، إبان فترة الحماية الفرنسية، عندما قدم أحد التجار اليهود الفرنسيين المقيمين بالمغرب قطعة ارض مساحتها 4 هكتارات هدية للسلطان المولى يوسف، وكانت الأرض ملاصقة لقصر الإمارة، وكان هدف التاجر اليهودي هو التودد للسلطان والتقرب منه لبسط نفوذه وتوسيع تجارته، إلا أن السلطان المولى يوسف اعتبر أن قطعة الأرض أو هدية التاجر الفرنسي ماهي إلا رشوة كره أن يقبلها كما كره أن يرفضها فيظل التاجر الفرنسي جارا لقصره، فأمر السلطان مهندسي العمارة المغاربة بتصميم حي سكني وتجاري على الطراز الإسلامي لتجسد كل جهة من جهات الحي روح العمارة في عاصمة إسلامية أو حضارة في ذلك الزمان، واصبح الحي بانوراما للعمارة الإسلامية في مطلع القرن الماضي، وأطلق عليه إسم حي “الاحباس” نسبة إلى حبس قطعة الأرض من التاجر الفرنسي دون أن يصل إلى غايته.

حي الاحباس
بعد أن أمر السلطان المولى يوسف ببناء “حي الاحباس” أسست مؤسسة الاحباس تابعة لوزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية للإشراف على بناء الحي، وأنفقت عليه من أموال الأوقاف وتبرعات التجار المغاربة والأمراء، واستمر بناء الحي 10 سنوات، وأمر السلطان بتوزيع المنازل على سكان الخيام ومنازل الصفيح على أطراف المدينة، ومنحهم المحلات بإيجار بسيط لكسب عيشهم، وأصبح الحي الملاصق لقصر السلطان منذ ذلك الحين وحتى اليوم، قبله لجميع سكان مدينة الدار البيضاء للتسوق والتنزه بين أروقته ودكاكينه المتنوعة.

وفي ستينيات القرن الماضي، توسع العمران في مدينة الدار البيضاء في اتجاه الشرق والغرب، واتجه السكان إلى المباني الجديدة، وتحول حي الحبوس إلى سوق راقي، واستبدلت محلات الجزارة والمطاعم ومحلات السلع المنزلية، بمحلات لبيع التحف والأنتيكات والهدايا والمصنوعات الجلدية والمشغولات الذهبية، وأغلب معروضات السوق من الصناعات التقليدية المغربية التي يقبل عليها السياح.

عمارة فريدة
المهندسون المغاربة عمدوا عند تصميم الحي إلى التنوع الحضاري، فحمل الجزء الغربي من الحي الطابع المعماري العراقي، وبات أشبه بمباني البصرة في ذلك الوقت من حيث القباب والاقواس وشكل النوافذ والأبواب، والجانب الشرقي صوروه طبق الأصل من الطراز الشامي، فتميز بالطرقات الضيقة المعبدة بحجارة البازلت في الأرضيات والنوافذ العالية الضيقة، والمساحات الضيقة الطويلة والأسقف المرتفعة، أما جنوب الحي فأخذ الطابع الاندلسي ويتميز بالفسيفساء الملونة والنقوش الهندسية الرائعة، والنوافذ وأسبلة المياه المطرزة بالفسيفساء المطعم بالمشغولات النحاسية، أما الجانب الشمالي المقابل لقصر السلطان فيتميز بالطراز الفرنسي والأوروبي، وتفرد دون باقي أجزاء الحي بالتماثيل والمجسمات والأعمدة الرومانية الطراز والنوافذ والشرفات الإنجليزية والبناء العالي والأسقف الخشبية والحوائط السميكة، وأحيط الحي بالكامل بسور ضخم حصين، له 4 أبواب كبار كانت تغلق ليلا لحماية الحي حتى وقت قريب.

وأصبح الحي الذي مائة عام على التأسيس حياً مميزاً، وكأنه بانوراما العواصم الإسلامية في حي واحد، قدره السياح وأحبوه وكتبوا عنه القصص ورسموا له الرسوم والصور، وأصبح من أشهر أحياء الدار البيضاء، ومن المزارات المهمة في المملكة المغربية، وبسبب اقبال السياح تحولت محلاته كلها تقريبا إلى تجارة الذهب والتحف والأنتيكات والمشغولات اليدوية التراثية وتفصيل الملابس التقليدية الشعبية، ومكاتب بيع الكتب القديمة والصور التاريخية والطوابع والعملة وغيرها من التجارات التي يقبل عليها السياح.

* نشر بصحيفة “الوطن” القطرية
يوميات_صحفي_في_المغرب

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى