الرأي

وحيد مبارك: أحزاب الأغلبية والعجرفة السياسية

بقلم : وحيد مبارك

تصر أحزاب الأغلبية، وفي مقدمتها، رئيس الحكومة عزيز أخنوش، على التحلي بعجرفة سياسية في مخاطبة الشعب المغربي في كل حدث ومناسبة، وتعتبر المؤسسة البرلمانية إلى جانب العديد من التصريحات الإعلامية شاهدة على هذا النوع من الخطاب الذي يطبعه التعالي والوصاية وممارسة الأبوية، الذي يحاول جاهدا التنصل من كل مسؤولية في كل قضية من القضايا وإبعادها عن الحكومة مقابل إلصاقها بالغير، الذي قد يكون حكومات سابقة، كما لو أن حزب التجمع الوطني للأحرار نموذجا، لم يكن شريكا أساسيا فيها، وقد يكون جهات وأجندات وغيرها من التعابير الفضفاضة الهلامية، التي ترسخ لأزمة ثقة تسود العلاقة بين المواطن والفاعل السياسي، والتي من بين تمظهراتها نسب المشاركة التي عرفتها الانتخابات الجزئية في عدد من الدوائر ؟

أبوية جامدة، تنهل مما هو سلطوي فقط، بعيدا عن كل ما يرتبط بهذا المصطلح في شقّه المشاعري النبيل، جعل منها أخنوش “عملة تعبيرية” يرتكز عليها ممثلو الأغلبية بدورهم، من كل المستويات، حين التوجه بالحديث للمغاربة، وما برنامج “مباشرة معكم”، الذي تم بث حلقته مساء الأربعاء 18 شتنبر 2024، والذي استضاف من خلال الزميل جامع كلحسن، رئيس فريق التجمع الوطني للأحرار ورئيس فريق الأصالة والمعاصرة عن الأغلبية، إلى جانب رئيس الفريق الاشتراكي – المعارضة الاتحادية ورئيس فريق حزب التقدم والاشتراكية عن المعارضة، إلا أحد النماذج التي تبيّن المدّ التصاعدي لهذا لخطاب المتعالي حين الحديث عن قضايا تهم الأمن الاقتصادي والاجتماعي للوطن، وحين التوجه إلى كافة المغاربة أو إلى فئات بعينها.

خطاب مفتقد لكل حسّ إنساني ووطني، يبخّس ويقزّم ما يشاء، و “يبجّل” ويرفع من قيمة ما يشاء، وهو ما ظهر جليّا حين الحديث عن فاجعة طاطا والنواحي، وعكسته أجوبة ممثل حزب الأحرار، مدافعا عن “الأهواء الموسيقية” لشبيبة حزبه في عزّ الأزمة، وممتطيا صهوة حصان الأرقام الفضفاضة المتعلقة بالدعم الاجتماعي، مستهينا بأزمة المؤشر التي باتت شبحا يطارد الأسر الفقيرة، وأبنائها الذين يتابعون دراستهم، سعيا نحو الحصول على منحة وفي بحثهم عن سكن داخلي بحي جامعي، وفي غيرها من المستويات المختلفة، إلى جانب لغة التهوين التي اعتمدها حين الحديث عن الدعم المالي الممنوح لمستوردي “اللحوم الحمراء” كما لو أن ارتفاع الأسعار والغلاء، هو وضع “انطباعي” فقط كما عبّر عن ذلك ولاصلة به بالواقع!

هذه اللغة نفسها، هي التي اعتمدها زميله رئيس فريق حزب الأصالة والمعاصرة، وهو يتحدث عن ملف شكّل وإلى غاية اليوم أزمة كبيرة في كليات الطب والصيدلة ويرخي بتبعاته على المشهد الصحي عامة، مهددا بضياع فوج من الأطباء الخريجين، إذ وعوض تقديم حلول وأجوبة تُلزم الحكومة باتخاذها لإنقاذ ما يمكن إنقاذه، ومن بينها ما يتعلق بالحفاظ على مدة التكوين في سبع سنوات للأفواج الحالية، خاطب أطباء الغد، الذين هم من خيرة شباب وأطر بلادنا، بالقول “دخلو للمدرسة”، بلغة آمرة، تذكرنا بتعابير كثيرة تستعمل حين مخاطبة “الأطفال”، في سياقات معينة في المنزل و “المسيد” والمدرسة، في زمن ولّى، ومن بينها “برك للأرض” .. “سير تبرك” .. “اهدا، رصا، زكا”، و “سكت وهنينا” وغيرها من المصطلحات، التي تترجم وصاية ترفض كل أشكال التعبير عن الرأي والذات؟

إن استمرار اعتماد الحكومة للعجرفة في خطابها السياسي وفي مواقفها اتجاه قضايا المغاربة، لا يمكن إلا أن يزيد الأمر سوءا وتعقيدا وان يمنح للمشاكل أفقا أكبر للتمدد ولاتساع رقعتها، عوض الانكباب على معالجتها باعتماد خطاب الصراحة والمسؤولية، وباعتماد سياسات تسمح بالوصول إلى الدولة الاجتماعية الفعلية المنشودة، لا السياسات التي تكرس للفوارق وتعزز اليأس والإحباط، وتؤدي إلى حوادث تكون مسيئة للجميع.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى