كازا تيفي

الرقابة المالية الادارية و الرقابة القضائية على الدعم المالي الممنوح للجمعيات الرياضية

بقلم :د. المصطفى الهيبة
* إطار بقطاع الرياضة

• أولا * الاطار التعاقدي للدعم العمومي الخاص بالجمعيات الرياضية :
ان ترسيخ مباديء الحكامة الجيدة في القطاع الرياضي من شأنه أن يرفع من مستوى هذا المجال حتي يبلغ و يحقق الأهداف المرجوة منه ،غير أنه يلاحظ أن مآل الدعم العمومي للجمعيات الرياضية المقدم للفاعلين الرياضيين يتسم في أغلب الأحيان بغياب الوضوح ، حيث لا يعرف اين تم صرفه بكل شفافية و مصداقية . كما تبين أن الالتزامات القانونية الملقاة على عاتق الجمعيات و الجامعات الرياضية المدعمة لا يتم احترامها على الأقل فيما يخص بيان أوجه صرف الاعانات المالية المقدمة اليها من طرف الدولة و مؤسساتها . هذا بالإضافة الى أن الاهداف المسطرة سلفا و التي من أجلها يتم تقديم هذه الاعانات لا يتم بلوغها .

و قد تنبهت السلطات العمومية لهاته الاشكالات , فأصدرت دورية للوزير الأول تحت عدد 7/2003 بتاريخ 27 يونيو 2003 تتعلق بالشراكات مع الدولة و الجمعيات . هذه الدورية التي اعتبرت القطاع الرياضي من أولوياتها ، و تعتبر آلية حديثة لتدبير المال العمومي الموجه لهذا المجال.
غير أن ما يحسب لهاته الدورية أنها جاءت لتحسين التنسيق و المراقبة من خلال اطار تعاقدي ، و من جهة أخرى وضعت اطارا مرنا للشراكة مطابقا لمباديء الحكامة الجيدة .

و بالاستناد الى هاته الدورية فان اي مساهمة عمومية تعادل او تفوق 50000 درهم سواء كان مصدرها الدولة أو الجماعات الترابية أو المؤسسات و المقاولات العمومية ، ينبغي أن تتم في اطار تعاقدي يحدد التزامات الطرفين خاصة التزامات الجمعية الرياضية طالبة التمويل . و قد حددت الدورية المسطرة الواجب اتباعها قبل التوقيع على اتفاقية الشراكة بين الطرفين .

أما في الحالات التي يكون فيها مبلغ الدعم يقل عن 50000 درهم ، فان تقديم الدعم يتم اتخاذه بقرار من الامر بالصرف بعد تقديم ملف متكامل من طرف الجمعية طالبة التمويل .

و اذا كانت الجمعيات الرياضية صغيرة الحجم و تنشط في اطار الهواية بحكم عدم توفرها على موارد مالية كبيرة ، فان الجامعات الرياضية باعتبارها فاعلا أساسيا في القطاع الرياضي هي المعول عليها لتنفيذ السياسة الرياضية للدولة أو الصعود بالمجال الرياضي الى درجة الاحتراف . و للحصول على الامكانات المالية اللازمة لبلوغ هاته الاهداف ، تم توقيع عقود برامج و دفتر تحملات مع الوزارة الوصية .

بمقتضى هذا العقد-البرنامج تلتزم الجامعة الرياضية الموقعة في مقابل تلقي الاعانات المالية للدولة بتحقيق الاهداف المسطرة و من ذلك تقوية اسس الحكامة الجيدة في مجال التدبير الاداري و التقني لشؤون الجامعة ، الى جانب ضمان شفافية محاسبتها في كيفية صرف المال العمومي و انجاز تقارير للأنشطة و تقييمات سنوية و توسيع قاعدة الممارسين و تطوير برامج التكوين ، كما تلتزم الجامعات الرياضية بتبني استراتيجية رياضة النخبة لبلوغ نتائج ملموسة في المنافسات الرياضية الدولية الكبرى.

و قد تم التوقيع على مجموعة من العقود البرنامج لسنوات 2013/2016 و دفاتر تحملات بين وزارة الشباب و الرياضة و ازيد من ثلاثين جامعة رياضية عقدت جموعها العامة و قدمت حسابها المالي .

ان ترسيخ ثقافة النجاعة و تحقيق الاهداف المتوخاة من دعم القطاع الرياضي لن يتأتى فقط بوضع الشروط القانونية و ابرام اتفاقيات الشراكة ، بل لابد من التتبع و الرقابة المالية لأوجه صرف المال العمومي و هذا ما سنتناوله في الفصل الموالي.
• ثانيا * أوجه الرقابة المالية على الدعم العمومي المقدم للجمعيات الرياضية :

ان وضع سياسة عمومية ناجعة في القطاع الرياضي يتطلب ضمان الاستقلالية الحقيقية للجامعات و الجمعيات الرياضية من خلال تحويل طبيعة العلاقة التي تربط الدولة بالجمعيات الرياضية من وصاية الى شراكة و تعاقد سيما و ان هذه الجمعيات جزء لا يتجزأ من مؤسسات المجتمع المدني الذي ما فتئ أصحابه ينادون بالاستقلالية . غير ان هذه الاستقلالية لابد ان تكون مقرونة بمبادئ اخرى كربط المسؤولية بالمحاسبة و الشفافية.
لأجل ذلك وضع المشروع المغربي اليات للرقابة المالية على الدعم العمومي المقدم للجمعيات الرياضية.و يمكن تقسيم هذه الرقابة الى رقابتين ؛ تلك التي تمارسها الادارة الوصية و وزارة المالية ، و رقابة قضائية يمارسها المجلس الأعلى للحسابات ..

1 *الرقابة الادارية على الدعم العمومي الموجه للجمعيات الرياضية :
ان الرقابة المالية التي تمارسها الادارة على مجالات صرف الاعانات المالية و المنح الموجهة للجمعيات الرياضية تختلف بحسب وقت ممارستها ، فهناك الرقابة التي تتم قبل تقديم الدعم العمومي و تلك التي تمارس بعد تقديمه .

أ *الرقابة المالية القبلية :
يمارس الامرون بالصرف الرقابة المالية القبلية على أوجه الصرف العمومي المقدم للجمعيات الرياضية . في هذا الصدد فان وزارة الثقافة و الشباب و الرياضة بصفتها الوصية على القطاع الرياضي لا توافق على تقديم الاعانات إلا للجامعات الرياضية التي توقع معها عقد-البرنامج و تلتزم بدفتر التحملات الذي يتضمن مجموعة من الشروط و الأهداف الواجب تحقيقها . و من ذلك شفافية حسابات الجامعات الرياضية المتعاقدة و المصادق عليها من طرف مراقبي الحسابات . كما ان الوزارة الوصية قد تحرم الجامعات الرياضية التي لا تحترم التزاماتها المسطرة في عقد البرنامج من الاعانة المالية المخصصة لها برسم السنة الموالية . و في بعض الحالات قد يتم تخفيض قيمة الاعانة بالنظر الى نسبة تحقيق الاهداف .

بالإضافة الى الرقابة القبلية التي تمارسها وزارة الثقافة و الشباب و الرياضة على الجامعات الرياضية ، فان تقديم الاعانات المالية يخضع للتأشير من مديرية الميزانية التابعة لوزارة الاقتصاد و المالية ، هذه الرقابة في الغالب يكون الهدف منها الحفاظ على الموازنات المالية الكبرى للميزانية العامة .

اما في ما يخص الاعانات المالية المقدمة للجمعيات الرياضية من طرف الجماعات الترابية او في اطار انشطة المبادرة الوطنية للتنمية البشرية ، فان اتفاقيات الشراكة التي تنظمها تنص على ان الدعم العمومي المقدم يتم تحويله الى الجمعية المستفيدة على مراحل او دفعات ، بهذا تمارس رقابة قبلية على مجالات صرف هذا الدعم بحيث لا يتم تحويل الدفعة 2 و 3 إلا بعد التأكد من التقدم في انجاز المشاريع الممولة . غير أن ضعف الامكانيات المادية و البشرية للجهات المانحة يتعذر معه القيام بالرقابة القبلية و بذلك يتم الدعم دون تتبع و مواكبة لما تم انجازه من طرف الجمعيات الرياضية المستفيدة .
و اعتبارا لما قد يشوب الرقابة القبلية من نقائص فقد تم تعزيزها بالرقابة البعدية للإدارة على الاموال العمومية المقدمة للجمعيات الرياضية .

ب *الرقابة الادارية البعدية :
تتبوأ المفتشية العامة للمالية مكانة مركزية و موقعا محوريا ضمن منظومة الرقابة الادارية البعدية على صرف المال العام و ذلك بالنظر الى شمولية رقابتها من حيث الاختصاص أو المجال ، حيث تتسع لتشمل جميع الاموال العمومية أيا كان مصدرها أو مكانها.

و تعتبر مراقبة مالية كل جمعية رياضية تستفيد من دعم مالي عمومي من اختصاصات المفتشية العامة للمالية . و تقوم هذه المراقبة اما بصفة تلقائية أو بطلب من الوزارة الوصية على القطاع الرياضي . و لعل الظهير الشريف المتعلق بحق تأسيس الجمعيات هو الاطار القانوني المنظم لهاته الرقابة ، حيث نص الفصل 32 من هذا الظهير على أن حسابات الجمعيات التي تتلقى دوريا اعانات من احدى الجماعات العمومية تخضع لمراقبة مفتشي وزارة المالية . و أضاف الفصل 32 مكرر مرتين أن الجمعيات التي تتلقى أكثر من 10000 درهم كإعانة من أحد اشخاص القانون العام تجري على دفاتر حساباتها مراقبة مفتشي وزارة المالية .

و قد عزز هذه المقتضيات قرار وزير المالية الصادر بتاريخ 13 مارس 1959 و الذي أكد على أن الجمعيات التي تتلقى سنويا بصفة مباشرة أو غير مباشرة اعانات مالية من جماعة عمومية ، يجب عليها أن تقدم ميزانيتها و حساباتها الى الوزارات التي تمنحها الاعانات المالية من جهة و الى وزارة المالية من جهة أخرى .

و يمكن القول أن هذا القرار الوزاري شكل الاطار العام للقواعد المالية الاساسية الواجب التقيد بها للاستفادة من الدعم العمومي ، كما أكد على الخضوع الاجباري لرقابة جهاز المفتشية العامة للمالية ، و هو نفس الدور الذي أكدته دورية الوزير الاول المذكورة سابقا رقم 7/2003 حيث نصت الاتفاقية النموذجية الملحقة بها في الفصل 13 على – أن العمليات الادارية و المالية المتعلقة بتنفيذ هاته الاتفاقية تخضع لتدقيق مصالح التفتيش التابعة للإدارة المانحة للإعانة و كذا تلك التابعة لوزارة المالية – .
و بناءا عليه ، تعتبر المهام الموكولة للمفتشية العامة للمالية في هذا المجال واسعة و دقيقة ، حيث تشمل تدقيق و افتحاص ميزانية و حسابات جميع الجمعيات الرياضية المستفيدة ، بصفة مباشرة او غير مباشرة من الدعم المالي المقدم من طرف الدولة أو الجماعات المحلية أو المنشآت العامة و مراقبة تسييرها .
غير أن تنوع و اتساع نطاق الرقابة المالية الادارية لا يمكن أن يغني الرقابة القضائية التي يمارسها المجلس الاعلى للحسابات و المجالس الجهوية للحسابات و القضاء الزجري عند الاقتضاء.

• ثالثا * الرقابة القضائية على الدعم العمومي المقدم للجمعيات الرياضية :
تعتبر المحاكم المالية الية شمولية للرقابة العليا على المالية العمومية ،و قد أوكل اليها المشرع بمقتضى دستور 2001 و القانون رقم 62/99 المتعلق بمدونة المحاكم المالية مهمة تدعيم و حماية مباديء الحكامة الجيدة و الشفافية و المحاسبة بالنسبة للدولة و الاجهزة العمومية . و قد نصت المادة 86 من هذا القانون على ان المجلس الاعلى للحسابات يراقب استخدام الاموال العمومية التي تتلقاها الجمعيات التي تستفيد من مساعدة كيفما كان شكلها من طرف الدولة أو مؤسسة عمومية أو من أحد الاجهزة الاخرى الخاضعة لرقابة المجلس ، هذا مع مراعاة مقتضيات الظهير الشريف بتنظيم الحق في تأسيس الجمعيات .

و بالرجوع الى مقتضيات الفصل 32 مكرر مرتين من هذا الظهير ، فان الجمعيات التي تتلقى دوريا اعانات يتجاوز مبلغها 10000 درهم هي التي تخضع لمراقبة المجلس الاعلى و المجالس الجهوية للحسابات .
و تهدف هذه المراقبة الى التأكد من أن استخدام الاموال العمومية التي تم تلقيها يطابق الاهداف المتوخاة من المساعدة .
و قد أوجبت المادة 87 من مدونة المحاكم المالية على الجمعيات أن تقدم الى المجلس الاعلى **الحسابات المتعلقة باستخدام الاموال و المساعدات العمومية الاخرى التي تلقتها ** و تفعيلا لمقتضيات هاته المادة اصدرت رئاسة الحكومة بتاريخ 5 مارس 2014 منشورا وزاريا تحت رقم 2/2014 يتعلق بمراقبة المجلس الاعلى للحسابات لاستخدام الاموال العمومية .

و بمقتضى هاته النصوص بات لزاما على الجهات العمومية التي تقدم اعانات مالية و مساعدات للجمعيات الرياضية بمختلف انواعها افادة المجلس الاعلى للحسابات بقوائم الجمعيات الرياضية المستفيدة من الدعم و اشعار المجلس بالمبالغ الممنوحة لفائدة الجمعيات الرياضية و الاتفاقيات المبرمة في هذا الشأن و كذا أوجه صرف هاته المبالغ من طرف الجمعيات الرياضية المستفيدة .

و في هذا الاطار ، يمارس المجلس الاعلى للحسابات مراقبة التسيير لتقييم النتائج المحققة من طرف الجمعيات الرياضية المدعمة ، كما أنه يمارس مهمة قضائية في ميدان التأديب المتعلق بالميزانية و الشؤون المالية . و هكذا ، فهو يثبث و يعاقب كل مخالفة للقوانين و الانظمة المتعلقة بتنفيذ عمليات المداخيل و النفقات التي يكون قد ارتكبها كل مسؤول في جمعية رياضية خاضعة لرقابته .

وبخصوص المخالفات الخطيرة التي تستوجب المتابعة القضائية فإنها تحال على وزير العدل قصد تحريك المسطرة القانونية الجاري بها العمل في هذا الباب .

و مهما تعددت النصوص القانونية المتعلقة بالرقابة المالية على الجمعيات الرياضية ، فانه يطرح التساؤل عن ما مدى ممارستها على الصعيد العملي ؟؟؟

• رابعا * مدى فعالية الرقابة المالية على الجمعيات الرياضية :
ان المنظومة القانونية للرقابة المالية على الاعانات العمومية المقدمة للجمعيات الرياضية تشكل اطارا متكاملا يسمح بتتبع اشكال صرف الاموال العمومية سواء الادارية او القضائية .

فباستثناء بعض الجمعيات الرياضية التي تتلقى الدعم في اطار برنامج المبادرة الوطنية للتنمية البشرية التي يتم مراقبتها من خلال مهام الافتحاص التي تقوم بها اللجان المشتركة بين المفتشية العامة للإدارة العامة للمالية و المفتشية العامة للإدارة الترابية . فان الجامعات الرياضية التي تتلقى اعانات عمومية مهمة من قبل الدولة و المقاولات العمومية فانه لم تخضع حسب -علمنا لاي رقابة من قبل جميع الاجهزة العليا للرقابة المالية – باستثناء ما قامت به الوزارة الوصية عبر مكاتب افتحاص خاصة للقيام بهذا الغرض.

و هذا في الحقيقة أمر لا يستقيم في دولة تكرس في دستورها مبدأ الشفافية و الحكامة الجيدة و ربط المسؤولية بالمحاسبة .

ان الحرص على تخليق الحياة العامة و الرقابة على طرق صرف الاموال العمومية و محاربة كل أنواع الفساد المالي و الانحراف حيثما كان و خصوصا في مجال الدعم المالي المقدم للجمعيات الرياضية ، لمن شأنه تمكين المغرب من تحقيق التنمية الشاملة المنشودة و الانخراط في مصاف الدول الرياضية الحقة و الديموقراطية الشاملة .

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى