الرأي

هل يكشف “توبيخ” عامل سطات للمدير الإقليمي للتعليم عن أزمة إدارية وتجاوز للصلاحيات المهنية؟


محمد العزري

ما حدث عفب أشغال دورة يناير العادية للمجلس الإقليمي بسطات، وانتشار مقطع الفيديو الذي يظهر عامل الإقليم يوبخ المدير الإقليمي للتربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، يفتح الباب أمام تساؤلات عميقة حول طبيعة العلاقة بين المسؤولين المحليين، ومدى احترام المبادئ المؤطرة للعمل الإداري في المغرب.

الواقعة التي أثارت الجدل مرتبطة بتعثر مشروع “ملاعب القرب”، وهو مشروع تنموي حيوي كان من المفترض أن يُسهم في تحسين البنية التحتية الرياضية وتوفير فضاءات للشباب لممارسة الرياضة. إلا أن هذا المشروع، كغيره من المشاريع التنموية، اصطدم بجملة من التحديات الاقتصادية والإدارية، أبرزها عدم قدرة بعض الجماعات على توفير الوعاء العقاري اللازم، وارتفاع تكلفة المواد الأولية بفعل تداعيات جائحة “كورونا”.

في ظل هذه الظروف، كان من المنتظر أن يتخذ عامل الإقليم موقفًا أكثر حكمة في إدارة الأزمة، من خلال فتح قنوات للحوار مع المسؤولين والجماعات الترابية، والعمل على إيجاد حلول عملية لتعثر المشروع. إلا أن اللجوء إلى أسلوب التأنيب العلني يعكس مشكلة أعمق في الثقافة الإدارية، التي غالبًا ما تخلط بين النقد البناء والانفعال غير المبرر.

الدستور المغربي، في الفصل 145، يحدد دور العامل بصفته ممثلًا للسلطة المركزية ومنسقًا للأنشطة المحلية. غير أن هذا الدور لا يمنحه سلطة تراتبية على المدير الإقليمي للتعليم، الذي يتبع أكاديمية جهوية مستقلة. وبالتالي، فإن التصرف الذي أقدم عليه عامل سطات، مهما كانت دوافعه، لا ينسجم مع القواعد القانونية ولا مع أخلاقيات العمل الإداري.

القضية أعمق من كونها مجرد حادثة عابرة. إنها تعكس إشكالية قائمة في العلاقات بين المسؤولين المحليين، حيث يسود أحيانًا منطق التسلط بدلًا من الشراكة والتنسيق. ورغم أن البعض قد يرى في أخلاق ومكانة عامل سطات شفيعًا لتصرفه، فإن ذلك لا يبرر اللجوء إلى أسلوب “الإهانة الإدارية”، الذي ينتمي إلى زمن كان من المفترض أن نتجاوزه.

إذا كانت اللامركزية هدفًا استراتيجيًا للدولة المغربية، فإن تحقيقها يتطلب ثقافة إدارية جديدة تقوم على الحوار، والعمل الجماعي، والاحترام المتبادل. وحدها هذه القيم قادرة على بناء إدارة قادرة على مواجهة التحديات التنموية وتحقيق تطلعات المواطنين.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى