الجهةالدار البيضاء

مركب محمد الخامس.. بين استثمارات جماعة البيضاء وصفقة التفويت!

مركب محمد الخامس

محمد العزري

عاد ملف مركب محمد الخامس إلى دائرة الجدل، بعدما كشفت وثيقة رسمية صادرة عن مندوبية أملاك الدولة بالدار البيضاء عن عرض لاقتناء المركب من طرف وزارة التربية الوطنية والتعليم الأولي والرياضة، بمبلغ لا يتجاوز 400 درهم للمتر المربع، أي ما مجموعه 38.46 مليار سنتيم. في المقابل، نفى عضو مجلس جماعة الدار البيضاء، كريم الكلايبي، وجود أي نية لدى المجلس لبيع المركب، مؤكداً التزام الجماعة بتطوير البنية التحتية الرياضية بدل التخلي عنها.

السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هو: كيف يعقل أن المركب الذي صُرفت عليه عشرات الملايير من أموال الجماعة في عمليات تأهيل متكررة، يصبح بين عشية وضحاها موضوع تفويت لقطاع وزاري؟ ألا يُعد هذا تناقضًا واضحًا في تدبير بعض المرافق الجماعية؟

فعلى مدى السنوات الماضية، خصصت الجماعة ميزانيات ضخمة لتأهيل المركب، سواء عبر تحديث مدرجاته، تحسين أرضيته، أو حتى تأهيل محيطه، ليكون جاهزًا لاحتضان مباريات وأحداث رياضية كبرى، بما في ذلك كأس أمم إفريقيا 2025 وكأس العالم 2030. فكيف يمكن الحديث اليوم عن تفويته بسعر رمزي مقارنة بقيمته الحقيقية؟

فعلى سبيل المثال لا الحصر، و بالعودة فقط إلى السنوات الأخيرة، فإن مركب هذا المركب المشيد في عام 1955، خضع لعدة عمليات تأهيل وصيانة، وذلك في سنة 2017، وشمل تهيئة مستودعات الملابس، تركيب كراسي جديدة، تثبيت شاشتين عملاقتين، وتحديث نظام الولوج وكاميرات المراقبة. بلغت بتكلفة مالية ناهزت حوالي 10 مليارات سنتيم (100 مليون درهم)، في الشطر الأول، فيما استمر الشطر الثاني حتى عام 2019، وتضمن تحسينات إضافية للمرافق، بما في ذلك المرافق الصحية والجنبات الخارجية بتكلفة وصلت حوالي 10.5 مليارات سنتيم (105 ملايين درهم)، لتكون بذلك التكلفة الإجمالية لهذين الشطرين حوالي 20.5 مليارات سنتيم (205 ملايين درهم).

الأمر لم يقف عند ها الحد، بل تم الإعلان في عام 2023 عن تخصيص 250 مليون درهم (25 مليار سنتيم) لتأهيل المركب استعدادًا لاحتضان نهائيات كأس الأمم الإفريقية 2025، و هي الإصلاحات المتواصلة في مراحلها الأخيرة حاليا، مما يرفع إجمالي الاستثمارات المعلنة إلى حوالي 45.5 مليار سنتيم (455 ملايين درهم) في ظرف 7 سنوات فقط، علما أن المبلغ يتجاوز ذلك بكثير إذا ما عدنا لمجموع عمليات الإصلاح و الصيانة التي شملت المركب منذ تشييده سنوات الخمسينات.

نقطة أخرى تستدعي توضيحا ضروريا، وهي لماذا لم تتخذ جماعة الدار البيضاء منذ سنوات خطوات قانونية لتحصين المركب عبر اقتنائه رسميًا من أملاك الدولة؟ فبما أن المجلس الجماعي كان يدير المركب ويستثمر فيه، ألم يكن من المنطقي أن يبادر إلى امتلاكه بشكل قانوني، لتجنب مثل هذا السيناريو؟

في العديد من المدن الكبرى، تتخذ الجماعات قرارات استباقية لحماية مرافقها الحيوية، خاصة تلك التي تستثمر فيها مبالغ ضخمة من المال العام، وهو ما يطرح أكثر من سؤال حول مدى جدية المجلس الجماعي للعاصمة الاقتصادية في الحفاظ على مرافق المدينة التي صرفت عليها عشرات الملايير من ميزانية ذات المجلس.

إن عدم القيام بإجراء من هذا القبيل في حالة مركب محمد الخامس يفتح الباب أمام انتقادات تتعلق بسوء التخطيط وضعف الرؤية الاستراتيجية، دون الحديث عن تحديد سعر 400 درهم للمتر المربع لمركب يقع في واحدة من أغلى المناطق العقارية في الدار البيضاء والذي يثير الشكوك حول معايير التقييم المعتمدة. في حين أن أسعار الأراضي في المناطق المجاورة مثل المعاريف وشارع أنفا تتجاوز 20 ألف درهم للمتر، يبدو أن السعر المقترح بعيد تمامًا عن الواقع، ما يفتح المجال للتساؤل حول ما إذا كان التفويت سيتم وفق قواعد عادلة أم أنه مجرد عملية شكلية لتمكين قطاع معين من الاستحواذ على العقار بسعر أقل بكثير من قيمته الحقيقية.

ملف مركب محمد الخامس يسلط الضوء على إشكالية تدبير الأصول العقارية المملوكة للدولة والجماعات المحلية. فمن غير المقبول أن تستثمر الجماعة أموالًا ضخمة في مركب دون أن يكون لها حق التصرف القانوني فيه، ثم تجد نفسها أمام خيار تفويته بثمن لا يعكس قيمته الحقيقية. هذه القضية تتطلب توضيحًا عاجلًا من الجهات المعنية، حتى لا يتحول ملف المركب إلى نموذج جديد لسوء تدبير الممتلكات و المرافق العمومية في المغرب.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى