الديربي: “حزب الكرة” يوجه إنذاره
محمد الشمسي
شلت الجماهير البيضاوية الحركة في أرجاء المركب الرياضي محمد الخامس الذي وباستثناء صباغته بالأزرق رغم أنه ملعب الدار البيضاء فلا جديد ظهر على ما سمي ب”حلته الجديدة”، لقد كان الديربي يتيما بلا جماهيره التي لم تكن تكتفي بالتشجيع والتفرج، بل كانت تخلق فرجتها بأهازيجها وملصقاتها الإبداعية أو ما يسمى ب “التيفو”، وتفادى معلق قناة الرياضية بشكل سمج ومفضوح الحديث عن نبأ مقاطعة الجماهير للديربي، وقفز بصورة غير مهنية على الحدث رغم أن المقاطعة هي الحدث عينه.
نجاح الجماهير في إفراغ المدرجات يؤكد سيطرة ومتانة “حزب الكرة” وسموه على كل حزب أو نقابة أو حكومة حتى، فأي انضباط وأي خطاب هذا الذي يقنع المهوسين بكرة القدم وبعشق إحدى الغريمين في الدار البيضاء بالامتناع عن ولوج الملعب في حفل الديربي؟ لنخلص إلى أن الاهتمام بكرة القدم تخطى حدود متعة واختيار وهواية، وصار عقيدة وإيديولوجية وإيمانا راسخا مستحكما، وجاز القول إن سحر من سعى إلى إلهاء الشعوب بكرة القدم ذات سنة وحقنها في عروقه أفيونا لإلهائها وإبعادها عن الشأن السياسي قد انقلب عليه، حيث أسفر حزب كرة القدم عن ميلاد دين جديد للجماهير بكتابه بفرائضه وسننه وقيمه ومبادئه ورسوله حتى، فاعتنقته الجماهير حد العبادة، وظهر الاستعداد الدائم للتضحية بالروح والحرية دفاعا عن ذلك المقدس الذي كان في يوم من الأيام مجرد لعبة يطارد فيها 20 لاعبا كرة على رقعة، فيكفي أن هزيمة الفريق المفضل قد تؤدي إلى موت المناصر بسكتة قلبية، وأن الترحال مع الفريق المعشوق فرض عين لا يحول دونه ضعف وسيلة ولا قلة الحيلة ولا صغر سن أو كبره، وقد تحول حزب الكرة إلى قوة صلبة وعنيدة، لها أوراقها ومنهجها، ولها ملفها المطلبي، وتعلن من حين لآخر معارضتها وهي تخوض إضرابها الذي بإشارة صغيرة منه أُفرِغ ملعب محمد الخامس من حيوته وحماسه، وجاء الديربي باردا خافتا.
باتت الحكومة او خلفها الدولة اليوم أمام بأس حزب الكرة، وهو كيان متماسك عصي على التفكيك أو الاختراق، يتجاوز حتى القانون بعقوباته، مستفيدا من قاعدة عددية ناقمة أعياها الواقع و الفراغ، ومن سوشل ميديا تسهل التواصل مع القواعد بلغة تحقق نسبة عالية من الإقناع والتأثير، وتتساقط أمام اجتياحه الأحزاب التقليدية ومعها النقابات التي شاخت وهرمت بعدما بلغ خطابها من الكبر عتيا، وأضحى صوتها مبحوحا مشروخا لا تقوى على حشد حتى منخرطيها في تجمع خطابي.
فهل يبقى حزب الكرة حبيس المدرجات يثور فوقها بالشعارات، منشغلا بالتحكيم وتذاكر المباريات، أم تراه قد يزحف ذات سنوات ثائرا متمردا على سياسات حكومية متعاقبة لم تخلق غير الويلات؟ إنه إنذار فهل من معتبر…