السياسةالوطني

الحكومة التي لا تُجيد التواصل… حين يصبح الخطاب عبئاً على الفعل

بقلم: محمد العزري– كازابلانكا الآن

في البرنامج الخاص الذي بثّته القناة الثانية مساء أمس، برز اسم جديد على المشهد الحكومي لدى عدد من المتتبعين، هو عبد الجبار الراشدي، كاتب الدولة لدى وزيرة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، المكلّف بالإدماج الاجتماعي.

رغم أن تعيينه تم منذ أكتوبر 2024، فإن حضوره الإعلامي ظل محدوداً إلى أن أطلّ أخيراً عبر شاشة عمومية في لحظة دقيقة تتطلب من الحكومة خطاباً هادئاً، مقنعاً، ومؤطّراً للنقاش العمومي.

غير أن مداخلته، في نظر العديد من المتابعين، لم ترتقِ إلى مستوى التحديات الراهنة، إذ بدت أقرب إلى خطاب تبريري أكثر منه تواصلياً. وهو ما يعيد إلى الواجهة سؤالاً مركزياً: هل تمتلك الحكومة فعلاً ناطقين باسمها قادرين على مخاطبة الرأي العام بلغة الوضوح والمصارحة؟

إن ضعف الأداء التواصلي لبعض المسؤولين لا يرتبط فقط بغياب المهارة الإعلامية، بل هو انعكاس لغياب رؤية سياسية منسجمة داخل الجهاز الحكومي نفسه. فعندما يخرج مسؤول حكومي إلى الرأي العام دون استعداد كافٍ، أو بخطاب متردد ومفتقر للمعطيات الدقيقة، فإن الضرر لا يمس شخصه فقط، بل صورة الحكومة ككل.

لقد أظهرت التجربة أن التواصل الحكومي ليس ترفاً، بل هو جزء من العمل السياسي ذاته. فالمواطن اليوم لا يطلب المعجزات، بقدر ما يبحث عن مسؤولين يتحدثون إليه بصدق، ويشرحون له ما يجري دون مواربة أو لغة خشبية.

وجه آخر من أوجه هذا الارتباك التواصلي برز أيضاً خلال استضافة القناة الإخبارية “ميدي 1 تي في” للناطق الرسمي باسم الحكومة، مصطفى بايتاس.
فحين طرح عليه الزميل نوفل العواملة سؤالاً واضحاً حول موقف الحكومة من احتجاجات جيل “Z”، مذكّراً بأن الشباب المحتج يرفض الحوار مع هذه الحكومة ويطالب بإقالتها ومحاسبة أعضائها، جاء رد الوزير على نحو استفزازي حين قال للصحفي: “أسجّل أنك ناطق رسمي باسمهم”، قبل أن يرد عليه الصحفي قائلاً: “لا، لكن هذه مطالبهم كما عبّروا عنها”.

ذلك الموقف، في جوهره، يعكس غياب ثقافة الإصغاء والتفاعل الإيجابي مع الإعلام، ويُبرز ضعف إتقان لغة التواصل لدى من يُفترض أنهم مسؤولون عن إيصال صوت الحكومة إلى الرأي العام. فإذا كان الحوار مع صحفي محترف يُفترض أن يكون فرصة لتوضيح المواقف، قد تحوّل إلى لحظة توتر لفظي، فكيف يمكن لهؤلاء أن يتواصلوا بلباقة مع جيل جديد من الشباب يحمل مطالب عميقة وأسئلة جريئة؟

إن الأزمة التي تعيشها الحكومة ليست فقط في السياسات أو البرامج، بل في الطريقة التي تُقدَّم بها هذه السياسات للمغاربة. فبدون تواصل فعّال ومقنع، يصبح حتى ما هو إيجابي عرضة للتشكيك وسوء الفهم.

ختاماً، إذا كانت الحكومة تراهن على الحوار الوطني كآلية لتجاوز الاحتقان، فإن نجاح هذا الحوار يمر أولاً عبر إعادة بناء الثقة، والثقة لا تُمنح إلا لمن يتقن فن الإصغاء، قبل الكلام.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى